الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - القرآن لغةً: في الأصل مصدر من قرأ بمعنى الجمع، يقال: قرأ قرآناً، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ {17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {18}}، قال ابن عباس: إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به، وخص بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فصار له كالعلم. وفي الاصطلاح: قال البزدويّ: هو الكتاب المنزل على رسول الله، المكتوب في المصاحف، المنقول عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نقلاً متواتراً، بلا شبهة، وهو النظم والمعنى جميعاً في قول عامة العلماء. والقرآن عند الأصوليّين يطلق على المجموع وعلى كلّ جزء منه; لأنهم يبحثون من حيث إنه دليل على الحكم، وذلك آية آية لا مجموع القرآن. وقد سمى الله تعالى القرآن بخمسة وخمسين اسماً: سماه كتاباً، ومبيناً، وقرآناً، وكريماً، وكلاماً، ونوراً، وهدىً، ورحمةً، وفرقاناً، وشفاءً، وموعظةً، وذكراً، ومباركاً، وعليّاً، وحكمةً... إلخ.
المصحف: 2 - المصحف - بضمّ الميم وكسرها وفتحها -، ما جعل جامعاً للصّحف المكتوبة، وجمعه مصاحف. وروى السّيوطيّ أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان أول من جمع كتاب الله وسماه المصحف. والصّلة أن المصحف ما جمع فيه القرآن.
3 - القرآن هو الأصل الأول من أصول الشرع، وهو حجة من كلّ وجه لتوقّف حجّية غيره من الأصول عليه لثبوتها به، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن الله تعالى، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما صار حجةً بالكتاب بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، وكذا الإجماع والقياس. وللتفصيل في أدلة حجّية القرآن وأسلوب القرآن في الدلالة على الأحكام ينظر الملحق الأصوليّ.
أ - الكتابة في المصاحف: 4 - القرآن هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلاً متواتراً، وقيّد بالمصاحف; لأن الصحابة رضي الله عنهم بالغوا في نقله وتجريده عما سواه، حتى كرهوا التعاشير والنقط كي لا يختلط بغيره، فنعلم أن المكتوب في المصحف المتفق عليه هو القرآن، وأن ما هو خارج عنه ليس منه، إذ يستحيل في العرف والعادة مع توافر الدواعي على حفظ القرآن أن يهمل بعضه، فلا ينقل، أو يخلط به ما ليس منه. ب - التواتر: 5 - لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأما في محلّه ووضعه وترتيبه فعند المحقّقين من علماء أهل السّنة كذلك، أي يجب أن يكون متواتراً. فقد جاء في مسَلَّم الثّبوت وشرحه فواتح الرحموت: ما نقل آحاداً فليس بقرآن قطعاً، ولم يعرف فيه خلاف لواحد من أهل المذاهب، واستدل بأن القرآن مما تتوفر الدواعي على نقله لتضمّنه التحدّي; ولأنه أصل الأحكام باعتبار المعنى والنظم جميعاً حتى تعلق بنظمه أحكام كثيرة; ولأنه يتبرك به في كلّ عصر بالقراءة والكتابة، ولذا علم جهد الصحابة في حفظه بالتواتر القاطع، وكلّ ما تتوفر دواعي نقله ينقل متواتراً عادةً، فوجوده ملزوم للتواتر عند الكلّ عادةً، فإذا انتفى اللازم وهو التواتر انتفى الملزوم قطعاً، والمنقول آحاداً ليس متواتراً، فليس قرآناً. كما جاء فيه: على أن ترتيب آي كلّ سورة توقيفيّ بأمر الله وبأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى هذا انعقد الإجماع، وجاء أيضاً: بقي أمر ترتيب السّور فالمحقّقون على أنه من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل هذا الترتيب باجتهاد من الصحابة... والحقّ هو الأول. والتفصيل في مصطلح: (مصحف). ج - الإعجاز: 6 - من خصائص القرآن أنه كلام الله المعجز، المتحدى بإعجازه، والمراد بالإعجاز ارتقاؤه في البلاغة إلى حدّ خارج عن طوق البشر، قال الزركشيّ: ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز; لأن العرب عجزوا عن معارضته، قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}. قال القاضي أبو بكر: ذهب عامة أصحابنا - وهو قول أبي الحسن الأشعريّ في كتبه - إلى أن أقل ما يعجز عنه من القرآن السّورة، قصيرةً كانت أو طويلةً، أو ما كان بقدرها، قال: فإذا كانت الآية بقدر حروف سورة وإن كانت كسورة الكوثر، فذلك معجز. والتفصيل في الملحق الأصوليّ. د - كونه بلغة العرب: 7 - لقد أنزل الله القرآن بلغة العرب، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}. قال الزركشيّ: لا خلاف أنه ليس في القرآن كلام مركب على غير أساليب العرب، وأن فيه أسماء أعلام لمن لسانه غير اللّسان العربيّ، كإسرائيل، وجبرائيل، ونوح، ولوط، وإنما اختلفوا هل في القرآن ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب؟ فذهب القاضي إلى أنه لا يوجد ذلك فيه، وكذلك نقل عن أبي عبيدة. واحتج هذا الفريق بقول الله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ}، ولو كان فيه لغة العجم لم يكن عربيّاً محضاً، وآيات كثيرة في هذا المعنى; ولأن الله سبحانه تحداهم بالإتيان بسورة من مثله، ولا يتحداهم بما ليس من لسانهم ولا يحسنونه. قال الإمام الشافعيّ: والقرآن يدلّ على أن ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب. وذهب قوم إلى أنه فيه لغة غير العرب، واحتجّوا بأن " المشكاة " هندية، " والإستبرق " فارسية. وقال من نصر هذا: اشتمال القرآن على كلمتين ونحوهما أعجمية لا يخرجه عن كونه عربيّاً وعن إطلاق هذا الاسم عليه، ولا يمهّد للعرب حجةً، فإن الشّعر الفارسي يسمى فارسيّاً وإن كان فيه آحاد كلمات عربية. قال ابن قدامة: يمكن الجمع بين القولين بأن تكون هذه الكلمات أصلها بغير العربية ثم عربتها العرب واستعملتها، فصارت من لسانها بتعريبها واستعمالها لها، وإن كان أصلها أعجميّاً. والتفصيل في الملحق الأصوليّ. هـ - كونه محفوظاً بحفظ الله تعالى: 8 - تكفل الله تعالى بحفظ كتابه الكريم، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، قال القرطبيّ: المراد بالذّكر القرآن والمراد بالحفظ أن يحفظ من أن يزاد فيه أو ينقص منه، قال قتادة وثابت البنانيّ: حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلاً أو تنقص منه حقّاً، فتولى سبحانه وتعالى حفظه، فلم يزل محفوظاً، وقال في غيره: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الذينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء}، فوكل حفظه إليهم فبدلوا وغيروا. و - نسخ القرآن: 9 - اتفق الفقهاء على جواز نسخ القرآن بالقرآن واختلفوا في نسخ القرآن بالسّنة على أقوال كما اختلفوا في شروط النسخ وأحواله. والتفصيل في الملحق الأصوليّ. ز- جمع القرآن: 7 - جمع القرآن مرتين مرةً في عهد أبي بكر الصّدّيق وثانيةً في عهد عثمان رضي الله عنهما. والتفصيل في مصطلح (مصحف): ح - تنجيم القرآن: 8 - نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجماً لمعان مختلفة. والتفصيل في (مصحف). ط - رسم المصحف: 12 - كتب القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه على شكل معين وعلى يد جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ووزّعت النّسخ التي كتبوها على العواصم الإسلامية وسمّيت هذه الطريقة الرسم العثماني،وقد اختلف الفقهاء في وجوب التزامها في كتابة القرآن الكريم أو جواز الخروج عنها. والتفصيل في مصطلح (مصحف).
13 - اتفق الفقهاء على أن قراءة القرآن في الصلاة ركن، واختلفوا في تعيين الفاتحة لهذه الفريضة، وفي صحة الصلاة بالقراءة بغير العربية. وللتفصيل (ر: صلاة، ف /19 وقراءة).
14 - يستحبّ الإكثار من تلاوة القرآن خارج الصلاة، لقول الله تعالى: {إِنَّ الذينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}، ولقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقّ، له أجران»، وقال صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه».
15 - ينبغي للقارئ أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه، وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظّف فاه بالسّواك وغيره. ويستحبّ أن يقرأ القرآن وهو على طهارة وإن قرأ محدثاً حدثاً أصغر دون مسّ المصحف جاز بإجماع المسلمين. والجنب يحرم عليه قراءة القرآن عند عامة العلماء، من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وقال ابن عباس: يقرأ الجنب ورده، وقال سعيد بن المسيّب: يقرأ القرآن. ويحرم على الحائض والنّفساء قراءة القرآن في الجملة عند جمهور الفقهاء. وعند المالكية تجوز قراءة القرآن للحائض وإن كانت متلبّسةً بجنابة قبل الحيض، إلا أن ينقطع عنها دمه حقيقةً أو حكماً كمستحاضة، فإنها لا تقرأ إن كانت متلبّسةً بجنابة. (ر: حيض ف 39). ويستحبّ أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار، ولهذا استحب جماعة من العلماء أن تكون القراءة في المسجد، لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة، ومحصّلاً لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف. وللتفصيل في الأماكن التي تكره فيها قراءة القرآن (ر: قراءة). ويستحبّ للقارئ في غير الصلاة أن يستقبل القبلة، ويجلس متخشّعاً بسكينة ووقار مطرقاً رأسه، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلّمه، فهذا هو الأكمل، ولو قرأ قائماً أو مضطجعاً أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال جاز وله أجر، ولكن دون الأول. وللتفصيل في الأحوال التي تجوز أو تكره فيها قراءة القرآن (ر: قراءة). وإذا أراد الشّروع في القراءة استعاذ فقال: أعوذ بألله من الشيطان الرجيم، هكذا قال الجمهور من العلماء. وقال بعض السلف: يتعوذ بعد القراءة. قال الزركشيّ: يستحبّ التعوّذ قبل القراءة فإن قطعها قطع ترك وأراد العود جدد، وإن قطعها لعذر عازماً على العود كفاه التعوّذ الأول ما لم يطل الفصل. وللتفصيل في محلّ الاستعاذة من القراءة (ر: استعاذة ف / 7، وتلاوة ف / 6). وينبغي أن يحافظ على قراءة بسم الله الرحمن الرحيم أول كلّ سورة سوى سورة " براءة "، (ر: تلاوة ف / 7). وللتفصيل في اختلاف الفقهاء في كون البسملة آيةً من الفاتحة ومن كلّ سورة ينظر (بسملة ف / 2). فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبّر عند القراءة، فهو المقصود والمطلوب، وبه تنشرح الصّدور وتستنير القلوب، (ر: تلاوة ف /10). ويستحبّ البكاء عند قراءة القرآن، والتباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع، قال الله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ}، وقد قرأ ابن مسعود القرآن على النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي حديثه: «فإذا عيناه تذرفان»، وطريقه في تحصيل البكاء أن يحضر في قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب. ويسنّ الترتيل في قراءة القرآن، قال الله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}. (ر: تلاوة ف 9). مما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين، فمن ذلك اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاماً ضطرّ إليه، ومن ذلك العبث باليد وغيرها فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه. ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدّد الذّهن.
16 - استماع القرآن والتفهّم لمعانيه من الآداب المحثوث عليها، ويكره التحدّث بحضور القراءة. قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلام: والاشتغال عن السماع بالتحدّث بما لا يكون أفضل من الاستماع سوء أدب على الشرع، وهو يقتضي أنه لا بأس بالتحدّث للمصلحة. وصرح الحنفية بوجوب الاستماع للقراءة مطلقاً، أي في الصلاة وخارجها. وللتفصيل في أحكام استماع القرآن خارج الصلاة (ر: استماع ف / 3 وما بعدها).
17 - آداب حامل القرآن مقرئاً كان أو قارئاً هي في الجملة آداب المعلّم والمتعلّم التي سبق تفصيلها في (تعلّم وتعليم ف / 9 - 10). ومن آدابه أيضاً: أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كلّ ما نهى القرآن عنه إجلالاً للقرآن، وأن يكون متصوّناً عن دنيء الاكتساب، شريف النفس، مترفّعاً على الجبابرة والجفاة من أهل الدّنيا، متواضعاً للصالحين وأهل الخير والمساكين، وأن يكون متخشّعاً ذا سكينة ووقار، فقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يا معشر القراء ارفعوا رءوسكم فقد وضح لكم الطريق، واستبقوا الخيرات لا تكونوا عيالاً على الناس. ومن أهمّ ما يؤمر به أن يحذر كل الحذر من اتّخاذ القرآن معيشةً يكتسب بها، فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به». وقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، منهم من منع أخذ الأجرة عليه، ومنهم من أجاز. وللتفصيل (ر: إجارة ف / 109 - 110). وينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها، قال الله تعالى مثنياً على من كان دأبه تلاوة آيات الله: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ} وسماه ذكراً وتوعد المعرض عنه، ومن تعلمه ثم نسيه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلّتًا من الإبل في عُقُلها». وقال: «بئسما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسِّيَ، استذكروا القرآن فلهو أشدّ تفصِّياً من صدور الرّجال من النعم بعقلها».
18 - أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته، وأجمعوا على أن من جحد منه حرفاً مما أجمع عليه، أو زاد حرفاً لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك، فهو كافر.
19 - كتاب الله بحره عميق، وفهمه دقيق، لا يصل إلى فهمه إلا من تبحر في العلوم وعامل الله بتقواه في السّرّ والعلانية، وأجله عند مواقف الشّبهات، ولهذا قال العلماء: يحرم تفسير القرآن بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن، والإجماع منعقد عليه، فمن كان أهلاً للتفسير، جامعاً للأدوات التي يعرف بها معناه، غلب على ظنّه المراد، فسره إن كان مما يدرك بالاجتهاد، كالمعاني والأحكام الخفية والجلية والعموم والخصوص والإعراب وغير ذلك. وإن كان مما لا يدرك بالاجتهاد، كالأمور التي طريقها النقل وتفسير الألفاظ اللّغوية فلا يجوز له الكلام فيه إلا بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله. وأما من كان ليس من أهله لكونه غير جامع لأدواته، فحرام عليه التفسير، لكن له أن ينقل التفسير عن المعتمدين من أهله. وللتفصيل (ر: تفسير ف / 9، 10).
20 - اختلف الفقهاء في جواز قراءة القرآن في الصلاة بغير العربية، فذهب الجمهور إلى أنه لا تجوز القراءة بغير العربية سواء أحسن القراءة بالعربية أم لم يحسن. ويرى أبو حنيفة جواز القراءة بالفارسية وغيرها من اللّغات سواء كان يحسن العربية أو لا، وقال أبو يوسف ومحمد لا تجوز إذا كان يحسن العربية; لأن القرآن اسم لمنظوم عربيّ لقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً}، والمراد نظمه. وللتفصيل (ر: ترجمة ف /6 وقراءة). وأما ترجمة القرآن خارج الصلاة، وبيان معناه للعامة، ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معناه، فهو جائز باتّفاق أهل الإسلام. وتكون تلك الترجمة عبارةً عن معنى القرآن، وتفسيراً له بتلك اللّغة. (ر: ترجمة ف / 3 - 5).
21 - انعقد إجماع الأئمة على أن عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورةً، التي جمعها عثمان رضي الله عنه وكتب بها المصاحف، وبعث كل مصحف إلى مدينة من مدن الإسلام، ولا يعرج إلى ما روي عن أبيّ أن عددها مائة وست عشرة سورةً، ولا على قول من قال: مائة وثلاث عشرة سورةً بجعل الأنفال وبراءة سورةً، وجعل بعضهم سورة الفيل وسورة قريش سورةً واحدةً، وبعضهم جعل المعوّذتين سورةً، وكلّ ذلك أقوال شاذة لا التفات إليها. وللتفصيل في ترتيب نزول سور القرآن وآياته وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره وعدد حروفه وأجزائه وكلماته وآيه ينظر (مصحف).
22 - كان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه. فمنهم من يختم القرآن في اليوم والليلة مرةً، وبعضهم مرتين، وانتهى بعضهم إلى ثلاث، ومنهم من يختم في الشهر. قال النوويّ: والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم أو غيره من مهمات الدّين ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل والهذرمة. وقد كره جماعة من المتقدّمين الختم في كلّ يوم وليلة. وقال أبو الوليد الباجيّ: «أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو أن يختم في سبع أو ثلاث»، يحتمل أنه الأفضل في الجملة، أو أنه الأفضل في حقّ ابن عمرو، لما علم من ترتيله في قراءته، وعلم من ضعفه عن استدامته أكثر مما حد له، وأما من استطاع أكثر من ذلك فلا تمنع الزّيادة عليه، وسئل مالك عن الرجل يختم القرآن في كلّ ليلة فقال: ما أحسن ذلك. إن القرآن إمام كلّ خير. 23 - ويسنّ الدّعاء عقب ختم القرآن، لحديث الطبرانيّ وغيره عن العرباض بن سارية مرفوعاً «من ختم القرآن فله دعوة مستجابة». ويسنّ إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم، لحديث: «أحبّ الأعمال إلى الله الحالّ المرتحل، الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره، كلما حل ارتحل».
24 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية إلى أنه يكره نقش الحيطان بالقرآن. وقال بعض الحنفية: يرجى أن يجوز.
25 - اختلف العلماء في النّشْرة وهي أن يكتب شيئاً من أسماء الله أو من القرآن ثم يغسله بالماء ثم يمسح به المريض أو يسقيه، فأجازها سعيد بن المسيّب، قيل: الرجل يؤخذ عن امرأته أيحلّ عنه وينشر؟ قال: لا بأس به، وما ينفع لم ينه عنه. وممن صرح بالجواز الحنابلة وبعض الشافعية منهم العماد النّيهيّ تلميذ البغويّ قال: لا يجوز ابتلاع رقعة فيها آية من القرآن فلو غسلها وشرب ماءها جاز، وجزم القاضي حسين والرافعيّ بجواز أكل الأطعمة التي كتب عليها شيء من القرآن. قال ابن عبد البرّ: النّشرة من جنس الطّبّ فهي غسالة شيء له فضل، فهي كوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك»، و «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل». ومنعها الحسن وإبراهيم النخعيّ.
1 - القراءات في اللّغة جمع قراءة وهي التّلاوة. والقراءات في الاصطلاح: علم بكيفية أداء كلمات القرآن الكريم واختلافها معزوّاً لناقله. وموضوع علم القراءات: كلمات الكتاب العزيز. وفائدته: صيانته عن التحريف والتغيير مع ما فيه من فوائد كثيرة تبنى عليها الأحكام.
القرآن: 2 - القرآن: هو الكلام المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا نقلاً متواتراً. قال الزركشيّ: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور، من الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما.
3 - قال ابن الجزريّ: كلّ قراءة وافقت العربية - ولو بوجه - ووافقت أحد المصاحف العثمانية - ولو احتمالاً - وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها، ولا يحلّ إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة، أطلق عليها ضعيفةً، أو شاذةً، أو باطلةً، سواء كانت عن السبعة، أم عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف. قال أبو شامة: فلا ينبغي أن يغتر بكلّ قراءة تعزى إلى أحد السبعة، ويطلق عليها لفظ الصّحة، وأنها أنزلت هكذا، إلا إذا دخلت في ذلك الضابط، فإن القراءة المنسوبة إلى كلّ قارئ من السبعة وغيرهم، منقسمة إلى المجمع عليه، والشاذّ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم.
4 - الخلاف في القراءة إما أن يكون منسوباً إلى الإمام، أو إلى الراوي عن الإمام، أو إلى الآخذ عن الراوي. فإن كان الخلاف منسوباً لإمام من الأئمة مما أجمع عليه الرّواة، فهو قراءة، وإن كان منسوباً للراوي عن الإمام، فهو رواية، وكلّ ما نسب للآخذ عن الراوي وإن سفل، فهو طريق. وهذا هو الخلاف الواجب، فهو عين القراءات والرّوايات والطّرق، بمعنى أن القارئ ملزم بالإتيان بجميعها، فلو أخل بشيء منها عُدَّ ذلك نقصاً في روايته. وأما الخلاف الجائز، فهو خلاف الأوجه التي على سبيل التخيير والإباحة، كأوجه البسملة، وأوجه الوقف على عارض السّكون، فالقارئ مخير في الإتيان بأيّ وجه منها، غير ملزم بالإتيان بها كلّها، فلو أتى بوجه واحد منها أجزأه، ولا يعتبر ذلك تقصيراً منه، ولا نقصاً في روايته. وهذه الأوجه الاختيارية لا يقال لها قراءات، ولا روايات، ولا طرق، بل يقال لها أوجه فقط.
5 - قال الإمام أبو محمد مكّيّ: جميع ما روي في القرآن على ثلاثة أقسام: قسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال وهن: أن ينقل عن الثّقات عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغاً، ويكون موافقاً لخطّ المصحف، فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به، وقطع على مغيبه وصحته وصدقه; لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خطّ المصحف، وكفر من جحده. والقسم الثاني: ما صح نقله عن الآحاد، وصح وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف، فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين: إحداهما: أنه لم يؤخذ بإجماع، إنما أخذ بأخبار الآحاد، ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد. والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه، فلا يقطع على مغيبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به، ولا يكفر من جحده، ولبئس ما صنع إذا جحده. والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية، فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف. وقد نقل ابن الجزريّ والسّيوطيّ كلام أبي محمد مكّيّ. 6- وتنقسم القراءات من حيث السند إلى الأنواع الآتية: الأول: المتواتر، وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، عن مثلهم إلى منتهاه، وغالب القراءات كذلك. الثاني: المشهور، وهو ما صح سنده ولم يبلغ درجة المتواتر، ووافق العربية والرسم، واشتهر عند القراء فلم يعدّوه من الغلط، ولا من الشّذوذ، ويقرأ به، ومثاله ما اختلفت الطّرق في نقله عن السبعة، فرواه بعض الرّواة عنهم دون بعض. الثالث: الآحاد، وهو ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، ولا يقرأ به، وقد عقد الحاكم في مستدركه والتّرمذيّ في جامعه لذلك باباً أخرجا فيه شيئاً كثيراً صحيح الإسناد. الرابع: الشاذّ، وهو ما لم يصح سنده. الخامس: الموضوع، كقراءات الخزاعيّ. قال السّيوطيّ: وظهر لي سادس يشبه من أنواع الحديث المدرج، وهو ما زيد في القراءات على وجه التفسير، كقراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أمّ)، وقراءة ابن عباس (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربّكم في مواسم الحجّ).
7 - اختلف الفقهاء في المتواتر من القراءات. فذهب الحنفية في الصحيح، والمالكية على المشهور، والحنابلة، إلى أن القراءات المتواترة هي قراءات قراء الإسلام المشهورين العشرة. قال ابن عابدين: القرآن الذي تجوز به الصلاة بالاتّفاق هو المضبوط في المصاحف الأئمة التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار، وهو الذي أجمع عليه الأئمة العشرة، وهذا هو المتواتر جملةً وتفصيلاً، فما فوق السبعة إلى العشرة غير شاذّ، وإنما الشاذّ ما وراء العشرة، وهو الصحيح. وقال العدويّ: الشاذّ عند ابن السّبكيّ ما وراء العشرة، وعند ابن الحاجب في أصوله ما وراء السبعة، وقول ابن السّبكيّ هو الصحيح في الأصول، وقول ابن الحاجب مرجوع فيه. وذهب الشافعية إلى أن القراءات المتواترة هي سبع فقط، وهي قراءات أبي عمرو، ونافع، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائيّ، وما وراء السبعة شاذّ. وذهب بعض الشافعية إلى أن الشاذ ما وراء العشرة، وصوبه ابن السّبكيّ وغيره.
8 - القراءات ثلاثة أصناف، قراءات متفق على تواترها، وقراءات مختلف في تواترها، وقراءات شاذة. فأصحاب القراءات المتفق على تواترها سبعة، وهم: أ - نافع المدنيّ: وهو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثيّ وراوياه: قالون، وورش. ب - ابن كثير: وهو عبد الله بن كثير المكّيّ. وهو من التابعين، وراوياه: البزّيّ، وقنبل. ج - أبو عمرو البصريّ: وهو زبان بن العلاء بن عمار المازنيّ البصريّ، وراوياه: الدّوريّ، والسّوسيّ. د - ابن عامر الشاميّ: وهو عبد الله بن عامر الشاميّ اليحصبيّ، وهو من التابعين، قاضي دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك، ويكنى أبا عمران، وراوياه: هشام، وابن ذكوان. هـ - عاصم الكوفيّ: وهو عاصم بن أبي النجود، ويقال له ابن بهدلة، ويكنى أبا بكر، وهو من التابعين، وراوياه: شعبة، وحفص. و - حمزة الكوفيّ: وهو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات الفرضيّ التيميّ، ويكنى أبا عمارة، وراوياه: خلف، وخلاد. ز - الكسائيّ الكوفيّ، وهو عليّ بن حمزة النحويّ، ويكنى أبا الحسن، وراوياه: أبو الحارث، وحفص الدّوريّ. وأصحاب القراءات المختلف في تواترها ثلاثة، وهم: أ - أبو جعفر المدنيّ: وهو يزيد بن القعقاع، وراوياه: ابن وردان، وابن جماز. ب - يعقوب البصريّ: وهو أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرميّ، وراوياه: رويس، وروح. ج - خلف: وهو أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب البزاز البغداديّ، وراوياه: إسحاق، وإدريس. وأصحاب القراءات الشاذة هم: أ - ابن محيص: وهو محمد بن عبد الرحمن المكّيّ، وراوياه: البزّيّ السابق، وأبو الحسن بن شنبوذ. ب - اليزيديّ: وهو يحيى بن المبارك، وراوياه: سليمان بن الحكم، وأحمد بن فرح. ج - الحسن البصريّ: وهو أبو سعيد بن يسار، وراوياه: شجاع بن أبي نصر البلخيّ، والدّوريّ أحد راويي أبي عمرو بن العلاء. د - الأعمش: وهو سليمان بن مهران، وراوياه: الحسن بن سعيد المطوّعيّ، وأبو الفرج الشبنوذيّ الشطويّ.
9 - اتفق الفقهاء على جواز القراءة بالقراءات المتواترة في الصلاة في الجملة. واختار الحنفية قراءة أبي عمرو، وحفص عن عاصم. واختار الحنابلة قراءة نافع من رواية إسماعيل بن جعفر، ثم قراءة عاصم من رواية أبي عياش. وقد تم تفصيل ذلك، وحكم القراءة بالشاذّ من القراءات، في مصطلح: (قراءة).
1 - القراءة في اللّغة: التّلاوة، يقال قرأ الكتاب قراءةً وقُرْآناً: تتبع كلماته نظراً، نطق بها أو لم ينطق. وقرأ الآية من القرآن: نطق بألفاظها عن نظر أو عن حفظ فهو قارئ، والجمع قراء، وقرأ السلام عليه قِراءةً: أبلغه إياه، وقرأ الشيء قرءاً وقرآناً: جمعه وضم بعضه إلى بعض. واقْتَرأ القرآن والكتاب: قرأه، واستقرأه: طلب إليه أن يقرأ، وقارأه مقارأةً وقِراءً: دارسه. والقَرَّاء: الحسن القراءة. والقراءة اصطلاحاً: هي تصحيح الحروف بلسانه بحيث يسمع نفسه، وفي قول وإن لم يسمع نفسه.
أ - التّلاوة: 2 - التّلاوة في اللّغة: القراءة، تقول: تلوت القرآن تلاوةً قرأته، وتأتي بمعنى تبع، تقول: تلوت الرجل أتلوه تلوّاً: تبعته، وتتالت الأمور: تلا بعضها بعضاً. وتأتي بمعنى الترك والخذلان. والتّلاوة اصطلاحاً: هي قراءة القرآن متتابعةً. وفي فروق أبي هلال: الفرق بين القراءة والتّلاوة: أن التّلاوة لا تكون إلا لكلمتين فصاعداً، والقراءة تكون للكلمة الواحدة، يقال قرأ فلان اسمه، ولا يقال تلا اسمه، وذلك أن أصل التّلاوة اتّباع الشيء الشيء، يقال تلاه: إذا تبعه، فتكون التّلاوة في الكلمات يتبع بعضها بعضاً، ولا تكون في الكلمة الواحدة إذ لا يصحّ فيها التّلوّ. وقال صاحب الكلّيات: القراءة أعمّ من التّلاوة. ب - الترتيل: 3 - الترتيل في اللّغة: التمهّل والإبانة. يقال رتل الكلام: أحسن تأليفه وأبانه وتمهل فيه. والترتيل في القراءة: الترسّل فيها والتبيين من غير بغي. والترتيل اصطلاحاً: التأنّي في القراءة والتمهّل وتبيين الحروف والحركات. والصّلة بين القراءة والترتيل عموم وخصوص.
أ - القراءة في الصلاة: ما يجب من القراءة في الصلاة: 4 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، فتجب قراءتها في كلّ ركعة من كلّ صلاة، فرضاً أو نفلاً، جهريةً كانت أو سرّيةً، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وفي رواية: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب». وذهب الحنفية إلى أن ركن القراءة في الصلاة يتحقق بقراءة آية من القرآن لقوله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}. أما قراءة الفاتحة فهي من واجبات الصلاة وليست بركن، والتفصيل في مصطلح: (صلاة ف / 38). ويقصدون بالآية هنا الطائفة من القرآن مترجمةً - أي اعتبر لها مبدأ ومقطع - وأقلّها ستة أحرف ولو تقديراً، كقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ}. وهذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة. 5 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يسنّ للمصلّي أن يقرأ شيئاً من القرآن بعد الفاتحة. كما ذهب الحنفية إلى أن قراءة أقصر سورة من القرآن أو ما يقوم مقامها بعد الفاتحة واجب وليس بسنة، فإن أتى بها انتفت الكراهة التحريمية، أما ما يحصل به أصل السّنة من القراءة فقد سبق تفصيله في مصطلح: (صلاة ف /66). كما سبق تفصيل ما يسنّ للمصلّي أن يقرأه من المفصل في الصلوات الخمس في مصطلح (صلاة ف /66). لكن الفقهاء اختلفوا في المفصل: فذهب الحنفية إلى أن طوال المفصل من " الحجرات " إلى " البروج "، والأوساط منها إلى " لم يكن "، والقصار منها إلى آخر القرآن. وعند المالكية طوال المفصل من " الحجرات " إلى " النازعات "، وأوساطه من " عبس " إلى " الضّحى "، وقصاره من " الضّحى " إلى آخر القرآن. وقال الشافعية: طوال المفصل " كالحجرات واقتربت والرحمن "، وأوساطه " كالشمس وضحاها والليل إذا يغشى "، وقصاره " كالعصر وقل هو الله أحد ". وذهب الحنابلة إلى أن أول المفصل سورة " ق "، لحديث أوس بن حذيفة قال: «سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزّبون القرآن؟ قالوا: ثلاث وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده». قالوا: وهذا يقتضي أن أول المفصل السّورة التاسعة والأربعون من أول البقرة لا من الفاتحة. وآخر طواله سورة عم، وأوساطه منها للضّحى، وقصاره منها لآخر القرآن. ما يكره من القراءة وما يجوز في الصلاة: 6 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز قراءة سورة مخصوصة في الصلاة، بل استحب الشافعية قراءة السجدة والإنسان في صبح الجمعة، وعن أبي إسحاق وابن أبي هريرة من الشافعية لا تستحبّ المداومة عليهما ليعرف أن ذلك غير واجب. قال الحنابلة: لا يكره ملازمة سورة يحسن غيرها مع اعتقاده جواز غيرها. وذهب الحنفية إلى أنه يكره أن يوقّت بشيء من القرآن لشيء من الصلوات كالسجدة والإنسان لفجر الجمعة، والجمعة والمنافقين للجمعة. قال الكمال بن الهمام: المداومة مطلقاً مكروهة سواء رآه حتماً يكره غيره أو لا، لإيهامه التعيين، كما يستحبّ أن يقرأ بذلك أحياناً تبرّكاً بالمأثور. وكره مالك الاقتصار على بعض السّورة في إحدى الرّوايتين عنه. كما يكره عند الأكثر من الحنفية أن يقرأ آخر سورة في كلّ ركعة، ويجوز أن يقرأ في الركعتين آخر سورة واحدة. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يكره قراءة بعض السّورة، لعموم قوله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} وفي الثانية قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء}». لكن صرح الشافعية بأن السّورة الكاملة أفضل من قدرها من طويلة; لأن الابتداء بها والوقف على آخرها صحيحان بالقطع بخلافهما في بعض السّورة، فإنهما يخفيان، ومحلّه في غير التراويح، أما فيها فقراءة بعض الطويلة أفضل، وعللوه بأن السّنة فيها القيام بجميع القرآن، بل صرحوا بأن كل محلّ ورد فيه الأمر بالبعض فالاقتصار عليه أفضل كقراءة آيتي البقرة وآل عمران في ركعتي الفجر. وصرح الحنفية بأنه إذا قرأ المصلّي سورةً واحدةً في ركعتين فالأصحّ أنه لا يكره، لكن لا ينبغي أن يفعل، ولو فعل لا بأس به. وصرحوا أيضاً بكراهة الانتقال من آية من سورة إلى آية من سورة أخرى، أو من هذه السّورة وبينهما آيات. وصرح الحنابلة بكراهة قراءة كلّ القرآن في فرض واحد لعدم نقله وللإطالة، ولا تكره قراءته كلّه في نفل; لأن عثمان رضي الله تعالى عنه كان يختم القرآن في ركعة، ولا تكره قراءة القرآن كلّه في الفرائض على ترتيبه. قال حرب: قلت لأحمد: الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة، اليوم سورةً وغداً التي تليها؟ قال: ليس في هذا شيء، إلا أنه روي عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحده.
7 - نص الحنفية على أن المصلّي لو ترك ترتيب السّور لا يلزمه شيء مع كونه واجباً; لأنه ليس واجباً أصليّاً من واجبات الصلاة. وصرح المالكية بحرمة تنكيس الآيات المتلاصقة في ركعة واحدة، وأنه يبطل الصلاة; لأنه ككلام أجنبيّ. ونص الشافعية على أنه يجب أن يأتي بالفاتحة مرتبةً فإذا بدأ بنصفها الثاني لم يعتد به مطلقاً سواء بدأ به عامداً أم ساهياً ويستأنف القراءة. هذا ما لم يغيّر المعنى. فإن غير المعنى بطلت صلاته. كما صرح الحنابلة بحرمة تنكيس كلمات القرآن وتبطل الصلاة به، قالوا: لأنه يصير بإخلال نظمه كلاماً أجنبيّاً يبطل الصلاة عمده وسهوه، كما صرحوا بحرمة القراءة عما يخرج عن مصحف عثمان لعدم تواتره ولا تصحّ صلاته. قال البهوتيّ: قال في شرح الفروع " وظاهره ولو وافق قراءة أحد من العشرة في أصحّ الرّوايتين ".
8 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يسنّ للإمام أن يجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية: كالصّبح والجمعة والأوليين من المغرب والعشاء، ويسرّ في الصلاة السّرّية. وذهب الحنفية إلى وجوب الجهر على الإمام في الصلاة الجهرية والإسرار في الصلاة غير الجهرية. كما يسنّ للمنفرد الجهر في الصّبح والأوليين من المغرب والعشاء عند المالكية والشافعية. ويرى الحنفية والحنابلة على المذهب أن المنفرد يخير فيما يجهر به إن شاء جهر وإن شاء خافت، والجهر أفضل عند الحنفية. وتفصيل ذلك في مصطلح (جهر ف /7). واشترط الحنفية والشافعية والحنابلة لاعتبار القراءة أن يسمع القارئ نفسه، فلا تكفي حركة اللّسان من غير إسماع; لأن مجرد حركة اللّسان لا يسمى قراءةً بلا صوت; لأن الكلام اسم لمسموع مفهوم، وهذا اختيار الهندوانيّ والفضليّ من الحنفية ورجحه المشايخ. واختار الكرخيّ عدم اعتبار السماع; لأن القراءة فعل اللّسان وذلك بإقامة الحروف دون الصّماخ; لأن السماع فعل السامع لا القارئ، وهو اختيار الشيخ تقيّ الدّين من الحنابلة أيضاً. ولم يشترط المالكية أن يسمع نفسه وتكفي عندهم حركة اللّسان، أما إجراؤها على القلب دون تحريك اللّسان فلا يكفي، لكن نصّوا على أن إسماع نفسه أولى مراعاةً لمذهب الجمهور.
9 - اتفق الفقهاء على أن اللحن في القراءة إن كان لا يغيّر المعنى فإنه لا يضرّ وتصحّ الصلاة معه. واختلفوا في اللحن الذي يغيّر المعنى. فذهب الحنفية إلى أن اللحن إن غير المعنى تغييراً فاحشًا بأن قرأ: "وعصى آدمَ ربُّهُ "، بنصب الميم ورفع الربّ وما أشبه ذلك - مما لو تعمد به يكفر - إذا قرأه خطأً فسدت صلاته في قول المتقدّمين. وقال المتأخّرون محمد بن مقاتل، وأبو نصر محمد بن سلام، وأبو بكر بن سعيد البلخيّ، والفقيه أبو جعفر الهندوانيّ، وأبو بكر محمد بن الفضل، والشيخ الإمام الزاهد وشمس الأئمة الحلوانيّ: لا تفسد صلاته. وفي الفتاوى الهندية: ما قاله المتقدّمون أحوط; لأنه لو تعمد يكون كفراً، وما يكون كفراً لا يكون من القرآن، وما قاله المتأخّرون أوسع; لأن الناس لا يميّزون بين إعراب وإعراب، والفتوى على قول المتأخّرين. وذهب المالكية في المعتمد عندهم إلى أن اللحن ولو غير المعنى لا يبطل الصلاة، وسواء ذلك في الفاتحة أو غيرها من السّور. وذهب الشافعية إلى أن اللحن إذا كان يغيّر المعنى فإنه لا يضرّ في غير الفاتحة إلا إذا كان عامداً عالماً قادراً، وأما في الفاتحة فإن قدر وأمكنه التعلّم لم تصح صلاته، وإلا فصلاته صحيحة. ونص الحنابلة على أن اللحن إن كان يحيل المعنى فإن كان له القدرة على إصلاحه لم تصح صلاته، لأنه أخرجه عن كونه قرآناً، وإن عجز عن إصلاحه قرأ الفاتحة فقط التي هي فرض القراءة لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، ولا يقرأ ما زاد عن الفاتحة، فإن قرأ عامداً بطلت صلاته ويكفر إن اعتقد إباحته، وإن قرأ نسياناً أو جهلاً أو خطأً لم تبطل صلاته.
10 - اختلف الفقهاء في قراءة المأموم خلف الإمام. فذهب المالكية والحنابلة إلى أنه لا تجب القراءة على المأموم سواء كانت الصلاة جهريةً أو سرّيةً لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»، قال ابن قندس من الحنابلة: الذي يظهر أن قراءة الإمام إنما تقوم عن قراءة المأموم إذا كانت صلاة الإمام صحيحةً، احتزازاً عن الإمام إذا كان محدثاً أو نجساً ولو يعلم ذلك وقلنا بصحة صلاة المأموم، فإنه لا بد من قراءة المأموم لعدم صحة صلاة الإمام، فتكون قراءته غير معتبرة بالنّسبة إلى ركن الصلاة فلا تسقط عن المأموم. وهذا ظاهر، لكن لم أجد من أعيان مشايخ المذهب من استثناه. نعم وجدته في بعض كلام المتأخّرين. قال البهوتيّ: وظاهر كلام الأشياخ والأخبار خلافه للمشقة. ونص المالكية والحنابلة على أنه يستحبّ للمأموم قراءة الفاتحة في السّرّية. وعن الإمام أحمد رواية أنها تجب في صلاة السّرّ، وهو قول ابن العربيّ من المالكية حيث قال بلزومها للمأموم في السّرّية. وذهب الحنفية إلى أن المأموم لا يقرأ مطلقاً خلف الإمام حتى في الصلاة السّرّية، ويكره تحريماً أن يقرأ خلف الإمام، فإن قرأ صحت صلاته في الأصحّ. قالوا: ويستمع المأموم إذا جهر الإمام وينصت إذا أسر، لحديث ابن عباس قال: «صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأ خلفه قوم، فنزلت {وَإِذَا قُرِئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ}». قال أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة. قال ابن عابدين نقلاً عن البحر: وحاصل الآية: أن المطلوب بها أمران: الاستماع والسّكوت فيعمل بكلّ منهما، والأول يخصّ بالجهرية والثاني لا، فيجري على إطلاقه فيجب السّكوت عند القراءة مطلقاً. وعن زيد بن ثابت قال: لا قراءة مع الإمام في شيء. ومنع المؤتمّ من القراءة مأثور عن ثمانين نفراً من كبار الصحابة; ولأن المأموم مخاطب بالاستماع إجماعاً فلا يجب عليه ما ينافيه، إذ لا قدرة له على الجمع بينهما، فصار نظير الخطبة، فإنه لما أمر بالاستماع لا يجب على كلّ واحد أن يخطب لنفسه بل لا يجوز، فكذا هذا. وذهب الشافعية إلى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة مطلقاً سرّيةً كانت أو جهريةً، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب». وقد نص الشافعية والحنابلة على كراهة قراءة المأموم حال جهر الإمام، واستثنى الشافعية حال ما إذا كان يخاف فوت بعض الفاتحة. ونص الشافعية أيضاً على أن من علم أن إمامه لا يقرأ السّورة أو إلا سورةً قصيرةً ولا يتمكن من إتمام الفاتحة فإنه يقرؤها مع الإمام، ويستحبّ للمأموم أن يقرأ في سكتات الإمام أو إذا كان لا يسمع الإمام لبعده أو لصمم. قال الحنابلة: يستحبّ أن يقرأ في سكتات الإمام الفاتحة على المذهب، وقال الشيخ تقيّ الدّين: مقتضى نصوص الإمام أحمد وأكثر أصحابه أن القراءة بغير الفاتحة أفضل. قال في جامع الاختيارات: مقتضى هذا إنما يكون غيرها أفضل إذا سمعها وإلا فهي أفضل من غيرها.
11 - اتفق الفقهاء على كراهة القراءة في الرّكوع والسّجود،لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الرّكوع فعظّموا فيه الرب عز وجل، وأما السّجود فاجتهدوا في الدّعاء، فقمن أن يستجاب لكم». وعن عليّ رضي الله تعالى عنه قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد». ولأن الرّكوع والسّجود حالتا ذلّ في الظاهر، والمطلوب من القارئ التلبّس بحالة الرّفعة والعظمة ظاهراً تعظيماً للقرآن. قال الزركشيّ من الشافعية: محلّ الكراهة ما إذا قصد بها القراءة، فإن قصد بها الدّعاء والثناء فينبغي أن يكون كما لو قنت بآية من القرآن.
12 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا تجوز قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة مطلقًا سواء قدر على القراءة بالعربية أو عجز وتفسد بذلك. واستدلّوا بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السّورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنّي سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت. ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه». قال النوويّ: فلو جازت الترجمة لأنكر عليه صلى الله عليه وسلم اعتراضه في شيء جائز. ولأن ترجمة القرآن ليست قرآناً; لأن القرآن هو هذا النظم المعجز، وبالترجمة يزول الإعجاز فلم تجز، وكما أن الشّعر يخرجه ترجمته عن كونه شعراً فكذا القرآن إضافةً إلى أن الصلاة مبناها على التعبّد والاتّباع والنهي عن الاختراع وطريق القياس مفسدة فيها. وذهب أبو حنيفة إلى جواز قراءة القرآن في الصلاة بالفارسية وبأيّ لسان آخر، لقول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}، ولم يكن فيها بهذا النظم، وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، فصحف إبراهيم كانت بالسّريانية، وصحف موسى بالعبرانية فدل على كون ذلك قرآناً; لأن القرآن هو النظم والمعنى جميعاً حيث وقع الإعجاز بهما، إلا أنه لم يجعل النظم ركناً لازماً في حقّ جواز الصلاة خاصةً رخصةً; لأنها ليست بحالة الإعجاز، وقد جاء التخفيف في حقّ التّلاوة لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف» فكذا هنا. وذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة إلى أنه لا تجوز القراءة بغير العربية إذا كان يحسن العربية; لأن القرآن اسم لمنظوم عربيّ لقول الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً}، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً}، والمراد نظمه، ولأن المأمور به قراءة القرآن، وهو اسم للمنزل باللفظ العربيّ المنظوم هذا النظم الخاصّ المكتوب في المصاحف المنقول إلينا نقلاً متواتراً، والأعجميّ إنما يسمى قرآناً مجازاً ولذا يصحّ نفي اسم القرآن عنه. والفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين، ويروى رجوع أبي حنيفة إلى قولهما. قال الشلبيّ نقلاً عن العينيّ: صح رجوع أبي حنيفة إلى قولهما. وقد اتفق الثلاثة - أبو حنيفة وصاحباه - على جواز القراءة بالفارسية وصحة الصلاة عند العجز عن القراءة بالعربية.
13 - ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى جواز القراءة بالمتواتر من القراءات في الصلاة. واختلفوا في القراءات غير المتواترة، والتفصيل في مصطلح: (قراءات ف /7). وصرح الحنفية بأن الأولى أن لا يقرأ بالرّوايات الغريبة والإمالات عند العوام صيانةً لدينهم; لأن بعض السّفهاء يقولون ما لا يعلمون فيقعون في الإثم والشقاء، ولا ينبغي للأئمة أن يحملوا العوام على ما فيه نقصان دينهم فلا يقرأ عندهم مثل قراءة أبي جعفر وابن عامر وعليّ بن حمزة، إذ لعلهم يستخفّون ويضحكون وإن كان كلّ القراءات والرّوايات صحيحةً فصيحةً. قال ابن عابدين: ومشايخنا اختاروا قراءة أبي عمرو حفص عن عاصم. وذهب الحنابلة إلى صحة الصلاة بقراءة ما وافق المصحف العثماني وإن لم يكن من العشرة، أو لم يكن في مصحف غيره من الصحابة. زاد في الرّعاية: وصح سنده عن صحابيّ، قال في شرح الفروع: ولا بد من اعتبار ذلك. وكره الإمام أحمد قراءة حمزة والكسائيّ لما فيهما من الكسر والإدغام وزيادة المدّ، وأنكرها بعض السلف كسفيان بن عيينة ويزيد بن هارون. واختار الإمام أحمد قراءة نافع من رواية إسماعيل بن جعفر، ثم قراءة عاصم من رواية أبي عياش. وعند الفقهاء تفصيل في القراءة بالشاذّ من القراءات في الصلاة. فذهب الحنفية إلى أن الصلاة لا تفسد بقراءة الشاذّ، ولكن لا تجزئه هذه القراءة عن القراءة المفروضة، ومن ثم تفسد صلاته إذا لم يقرأ معه بالتواتر، فالفساد لتركه القراءة بالمتواتر لا للقراءة بالشاذّ. ونص المالكية على حرمة القراءة بالشاذّ من القراءات، لكن لا تبطل الصلاة بالشاذّ إلا إذا خالف المصحف. وذهب الشافعية إلى أنه لا تجوز القراءة في الصلاة بالشاذّ; لأنها ليست قرآناً، فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وتبطل به الصلاة إن غير المعنى في الفاتحة. ومذهب الحنابلة حرمة قراءة ما خرج عن مصحف عثمان ولو وافق قراءة أحد من العشرة في أصحّ الرّوايتين ولا تصحّ الصلاة به. وعنه رواية: يكره أن يقرأ بما يخرج عن مصحف عثمان، وعلى هذه الرّواية تصحّ صلاته إذا صح سنده، لأن الصحابة كانوا يصلّون بقراءاتهم في عصره صلى الله عليه وسلم وبعده، وكانت صلاتهم صحيحةً بغير شكّ.
14 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز القراءة من المصحف في الصلاة، قال أحمد: لا بأس أن يصلّي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف، قيل له: الفريضة؟ قال: لم أسمع فيها شيئاً. وسئل الزّهريّ عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف، فقال: كان خيارنا يقرءون في المصاحف. وفي شرح روض الطالب للشيخ زكريا الأنصاريّ: قرأ في مصحف ولو قلب أوراقه أحياناً لم تبطل - أي الصلاة - لأن ذلك يسير أو غير متوال لا يشعر بالإعراض، والقليل من الفعل الذي يبطل كثيره إذا تعمده بلا حاجة مكروه. وكره المالكية القراءة من المصحف في صلاة الفرض مطلقاً سواء كانت القراءة في أوله أو في أثنائه، وفرقوا في صلاة النفل بين القراءة من المصحف في أثنائها وبين القراءة في أولها، فكرهوا القراءة من المصحف في أثنائها لكثرة اشتغاله به، وجوزوا القراءة من غير كراهة في أولها; لأنه يغتفر فيها ما لا يغتفر في الفرض. وذهب أبو حنيفة إلى فساد الصلاة بالقراءة من المصحف مطلقاً، قليلاً كان أو كثيراً إماماً أو منفرداً أمّيّاً لا يمكنه القراءة إلا منه أو لا، وذكروا لأبي حنيفة في علة الفساد وجهين: أحدهما: أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير، والثاني أنه تلقن من المصحف فصار كما لو تلقن من غيره، وعلى الثاني لا فرق بين الموضوع والمحمول عنده، وعلى الأول يفترقان. واستثني من ذلك ما لو كان حافظاً لما قرأه وقرأ بلا حمل فإنه لا تفسد صلاته; لأن هذه القراءة مضافة إلى حفظه لا إلى تلقّنه من المصحف ومجرد النظر بلا حمل غير مفسد لعدم وجهي الفساد. وقيل: لا تفسد ما لم يقرأ آيةً; لأنه مقدار ما تجوز به الصلاة عنده. وذهب الصاحبان - أبو يوسف ومحمد - إلى كراهة القراءة من المصحف إن قصد التشبّه بأهل الكتاب. ب - القراءة خارج الصلاة:
|